أقسى الشهور!

04 - أغسطس - 2014 , الإثنين 12:35 مسائا
3558 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةد / عبدالعزيز المــقالــح ⇐ أقسى الشهور!

د / عبدالعزيز المــقالــح
ربما يكون شهر رمضان الذي ودّعناه منذ أيام أقسى الشهور الرمضانية في التاريخ الحديث لهذه الأمة الجريحة، فقد تداعت الويلات والمصاعب، واشتد الفتك بين أبناء يعرب بعضهم بعضاً، وزاد من بشاعة المشهد استغلال العدو الصهيوني للواقع العربي المنهار لتصفية حساباته مع الأشقاء الفلسطينيين ومع أبناء غزة منهم خاصة، وما نتج عن ذلك من ارتفاع ضحايا العدوان والاجتياح إلى درجة غير مسبوقة، فضلاً عن تدمير المنازل على أهلها وقصف المستشفيات والمساجد والمدارس، والإفراط الحاقد في استخدام القوة الباطشة من دون تمييز ولا حساب للمناشدات الدولية والاستنكار المتزايد من الرأي العام العالمي، وخروج التظاهرات المنددة بالغزو في أكثر من مكان، وفي عواصم أوروبية لم يكن ضميرها يهتز لما يحدث في هذه المنطقة منذ وقت طويل .

لقد كان أقسى الشهور، وإن كانت قسوته على غزة قد بلغت ذروة الفجور إلا أن ما حدث فيه من صراع الطوائف في عدد من الأقطار العربية لا يقل قسوة وسوءاً، وخروجاً على منطق العقل، وعلى منطق التعايش والشعور بالمواطنة . وما زاد من حيرة المتابع والمشاهد أن النزف الدموي مستمر، وأن الفضائيات لا تزال تعذب المشاهدين وترعبهم بما تنشره على مدار الساعة من مناظر القتل والدماء، ولا تزال سوريا والعراق وليبيا مصدراً لتلك المناظر وما تشكله من مشهد يومي متكرر، بفعل الاستمرار في القتل وممارسة الأعمال الدموية بإصرار . وما يترتب على ذلك من شعور بانتفاء قيمة الحياة في مشروع هؤلاء المتحاربين القساة الذين يتمترسون خلف طائفيتهم ويدخلون معها في أنفاق أو خنادق لا يرون فيها ضوء الحقيقة التي تجعل لكل مواطن - على اختلاف انتماءاته - مكاناً في وطنه وبين أفراد شعبه .

"ألا من مراجعة عاجلة للمواقف والإجراءات المتبعة حتى الآن؟"، ذلك هو السؤال الذي ينبغي أن يشغل أبناء الأمة العربية بعد الخروج من أقسى الشهور وما يمكن أن يكون قد تركه من تجارب ودروس . وهل من مجال لإعادة النظر بشيء من العقلانية في كل هذا الذي حدث ويحدث قبل أن تصل الاندفاعات الحاقدة الحمقاء إلى مرحلة من الانتحار الجمعي لأنه بات من الثابت والمؤكد أنه من الصعب أن تنتصر طائفة من الطوائف المتقاتلة على أخرى، وأن النزف الدموي لن يتوقف إلا عند آخر نقطة، وهي نقطة الفناء للجميع . كما أثبتت تجربة الصراع الطويل ومعارك الكرّ والفرّ أن لا قيمة تذكر وراء الاندفاع في هذا الطريق المملوء بالمفاجآت المخيبة للآمال، آمال جميع المتحاربين، وآمال من يقف وراءهم ويدفع بهم إلى هذه المحارق التي لن تسفر نتائجها عن أمر ذي بال .

إن ما يحدث في غزة منذ أسابيع كافٍ ليجعل سيوف المتقاتلين العرب تعود إلى أغمادها وتتجه إلى حيث ينبغي أن تكون في إعادة الأمل إلى هذه الأمة التي تخسر المزيد من أبنائها كل يوم في معارك أثبتت فشلها الذريع، وأنها لن تحقق لأي طرف شيئاً ولو يسيراً مما يتوخّاه، وإن هي إلا حروب وصراعات عابثة تعيق مسار الأمة وتعمل على تأخير استحقاقاتها الوطنية والقومية . وسيكون من الجهل والغباء التمادي في السير على هذا الدرب البالغ التكاليف، ومن الغباء أيضاً السير وراء المنحرفين عن الجادة الذين لا همّ لهم إلا إذكاء المزيد من الكراهية المتبادلة والانتقام غير المحسوب في ظل فقدان كل مقومات الحوار والتسامي السياسي .

الخليج الإماراتية

في هذه الكلمات التي شكّلت عنوان هذا الحديث ما يكاد يكون لسان حال العقلاء في الوطن العربي عامة وفي بلادنا خاصة، وهي تحدد أبعاد المأساة التي صنعت الأوضاع الراهنة. والمشكلة الأساس ليست في الجملة الأولى من هذا العنوان "لا أحد يفهم" وإنما في الجملة »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء