هل يمكن للعاهل السعودي الجديد إدارة الشرق الأوسط المضطرب؟

28 - يناير - 2015 , الأربعاء 06:05 صباحا (GMT)
الضالع نيوز/ترجمة الخليج الجديد

قضى الملك السعودي «عبدالله بن عبدالعزيز» - الذي رحل قبل أيام - حياته محاولاً الحفاظ على استقرار منطقة الشرق الأوسط. لكن خلفاؤه تُركوا وأمامهم كمٌ من الأزمات تهدد بسحق الملكية الغنية بالنفط.

«إننا نمر بأيام مذهلة في أحداثها»؛ هكذا قال العاهل السعودي الراحل في فبراير/شباط 2012؛ كاشفًا بصراحة عن دهشته من الأحداث التي تعجّ بها منطقة الشرق الأوسط.

وفقدت المملكة أهم أبرز حلفاءها في منطقة الشرق الأوسط قبل هذا التصريح الملكي بعام؛ وأقصد بذلك تونس ومصر. العقيد «معمر القذافي» في ليبيا - الذي لطالما غسلت المملكة منه يدها - رحل هو الآخر. وكانت الرياض تعمل جاهدة لإسقاط أحد أعدائها، الرئيس «بشار الأسد» في سوريا، الذي يشن حملة دامية مستعرة ضد شعبه. وعندما صوتت روسيا والصين ضد قرار الأمم المتحدة الذي يطالب «الأسد» بمغادرة السلطة، فلم يتمكن الملك السعودي من الوقوف صامتًا حيال الأمر أكثر من ذلك، وكما تنبأ أن الحدث الذي وقع يشير إلى شيء غير جيد.

وعاش الملك «عبد الله» - الذي كان جُلّ تركيزه خلال فترة حكمه هو الاستقرار - أيامه الأخيرة في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في الشرق الأوسط الحديث. وكما اعتاد أن يقول مرارًا وتكرارًا أنه وجد الأحداث التي تلت الربيع العربي في عام 2011 مُذهلة وتنذر بالخطر ولا تُغتفر؛ وخاصة مأساة سوريا حيث تألم للقتلى من المدنيين، وعبر عن أسفه للدعم الفاتر من الإدارة الأمريكية لجهود الإطاحة بـ«بشار الأسد».

تحديات كبيرة

ولعب الملك «عبد الله» دورًا كبيرًا في محاولة تشكيل أزمات الشرق الأوسط الكثيرة، والسؤال الآن للمنطقة بأسرها: من سيتقمص دوره ويسد الفراغ الذي تركه؟ وقبل ساعات من وفاة الملك؛ استقال الرئيس اليمني من منصبه، وترك اليمن تحت السيطرة الكاملة للمتمردين الحوثيين الشيعة. وعناصر «الدولة الإسلامية» في العراق ربما يكونون عُرضة لضربات جوية متوالية، ولكنهم في سوريا كانوا يعيدون تجميع أنفسهم سعيًا لبسط نفوذهم على مناطق جديدة. وتواجه البحرين - التي تعتمد على السخاء السعودي - أزمة حادة في الميزانية وسط تراجع أسعار النفط. وفي مصر لا تزال احتجاجات المعارضة المحلية على قدم وساق. وتُعدُّ المساعدات السخية من المملكة العربية السعودية لمصر أحد أسباب تزايد السخط بين مواطني الخليج.

كما يواجه خلفاء الملك «عبد الله» صراعًا مع عدو إقليمي - هو الجمهورية الإيرانية - من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط. المليشيات المتحالفة مع إيران هي الآن على خلافٍ تقريبًا مع كل وكلاء الرياض في المنطقة؛ من لبنان إلى سوريا والعراق إلى البحرين إلى اليمن. وفي الوقت نفسه؛ تتفاوض الولايات المتحدة مع إيران، ما يبدو للكثيرين في الخليج العربي أنه انفراجة لينة مع إيران، والتي تهدف إلى إعادة صياغة تامّة لعلاقة واشنطن مع المنطقة. لقد توقفت كل الرهانات، وبات النفوذ في انتظار من يقتنصه.

وكان الملك الراحل هو الرجل الوحيد الذي إذا تكلم صمتت تلك الأزمات جميعها، وكان إذا تحدث تُصغي له كل الآذان. طوفان الزعماء الأجانب الذين وصلوا إلى الرياض لجنازته 23 يناير/كانون الثاني - من أمراء الكويت وقطر لقادة تركيا وباكستان - هو مؤشر مناسب على دوره المركزي في الشرق الأوسط. ونتيجة لانتقال سلس وصل الملك الجديد «سلمان بن عبد العزيز» إلى عرش المملكة العربية السعودية. لكن زمام القيادة الإقليمية لن يتم تمريره بسهولة.

إرث الملك الراحل

وكان الملك الراحل «عبدالله » - الذي وُلد لخادم الحرمين الشريفين الملك «عبد العزيز آل سعود» من أم تعود لعائلة بدوية بارزة - دائمًا صاحب عين ترمق بقية المنطقة. وتمتد قبيلة «شمر» - التي منها أمه - عبر بلاد الشام في سوريا وصولاً إلى العراق والكويت. وعُرف عنه أنه كان عاطفيًا - وعنيدًا - تجاه ما اعتبره مظالم تُرتكب ضد العرب.

وحينما كان وليًا للعهد لم يترك الملك فرصة إلا وكان يسارع بمضايقة الرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» بذكر القضية الفلسطينية؛ وحمل معه في زيارة إلى البيت الأبيض عام 2004 صُحفًا وتسجيلات فيديو تصور ما تعانية الآراضي المحتلة. «أردت أن أبيّن للرئيس ما يجري في فلسطين»؛ بهذه الكلمات صرح ولي العهد آنذاك الأمير «عبد الله بن عبدالعزيز» لـ«خدمة الإذاعة العامة الأمريكية» في عام 2004م، مُضيفًا «هذا كل شيء».

وعندما اندلعت احتجاجات الربيع العربي في تونس ومصر كان الملك السعودي مذعورًا بشدّة؛ والأهم من ذلك كله اندهاشه من الطريقة التي تخلت بها واشنطن وبهذه السرعة عن حلفاء لعقود طويلة - «زين العابدين بن علي» و«حسني مبارك». وبعد اندلاع احتجاجات مماثلة في الدولة المجاورة (البحرين)، قادت المملكة العربية السعودية تحالفًأ عسكريًا إقليميًا لسحقها. وفي مارس 2011م؛ خطت الدبابات السعودية على الجسر الذي يربط بين البلدين مُعلنة بدء حملة استمرت أشهرًا لتغادر البحرين وقد وأدت الثورة إلى الأبد. وفي اليمن؛ ساندت المملكة العربية السعودية الفترة الانتقالية بقيادة الخليج بهدف المحافظة في الأساس على تماسك أجهزة الحكومة، في الوقت الذي أزاحت فيه الرئيس المُحاصر «علي عبدالله صالح».

واستند تحفظ الملك «عبد الله» بشأن التغيير على الرأي السائد منذ فترة طويلة بأن الاستقرار كان ضامنًا للسلام بالنسبة للمملكة.«لدى جلالة الملك دائمًا أولوية واضحة بالتركيز على الاستقرار والسلامة والأمن للشعب السعودي»؛ بحسب ما ذكرته «وفاء طيبة» - عضو مجلس الشورى السعودي - لي في عام 2013م.

وفيما يتعلق بالشأن السوري؛ سعى الملك «عبد الله» في البداية لتحقيق الأمر ذاته. وبعد سنوات من العلاقات المتصلة والمقطوعة مع «آل الأسد»، قامت الدولتان بتطبيع العلاقات في الوقت الذي ظهرت أولى بوادر الاضطرابات في سوريا. وحاول الملك «عبد الله» إقناع دمشق: «في البداية؛ بعث برسائل لا حصر لها للرئيس السوري، وأرسل العديد من المسؤولين لمقابلته، وأجرى مكالمات هاتفية عديدة لتحذيره حول خطورة الوضع»؛ بحسب ما ذكره ابن الملك «عبد الله» الأمير «متعب» للجريدة السعودية في مقابلة إعلامية وُصفت بالنادرة في عام 2013.

ورفض «الأسد» بالطبع تغيير المسار رغم زيادة أعداد الضحايا لمستويات أعلى من أي وقت مضى في سوريا. وبعد أن تمّ ازدراء نصيحته، انقلب العاهل السعودي على نظام «الأسد». وبدأت المملكة العربية السعودية بطرد السفير السوري من أراضيها ثم تسليح المعارضة. ولم تُقدم الولايات المتحدة ولا بقية المجتمع الدولي على نفس خطوات الرياض بشأن سوريا، ما أشعر الملك بخيبة أمل. وكان هذا سببًا في جر ويلات الخراب والدمار على المنطقة؛ كما اعتاد الملك أن يُكرر في خطبه الاخيرة.

«يراقب المجتمع الدولي بصمت ما يحدث في المنطقة بأسرها وغير مبالٍ لما يحدث، وكأن ما يحدث لا يعنيه في شيء. هذا الصمت لا مبرر له مُطلقًا»؛ هكذا وبخ العاهل السعودي الراحل العالَم في بيان صادر في 1 أغسطس/آب 2014. وتابع «هل يدرك العالم أن هذا سيؤدي إلى ظهور جيل يؤمن فقط بالعنف ويرفض السلام، ويرى الحل في الصدام بين الحضارات وليس الحوار؟».

وفي الوقت نفسه؛ كان يُنظر إلى القرار المفاجيء في عام 2013م من واشنطن بفتح محادثات مع إيران على أنه تهديد للنفوذ الإقليمي للمملكة العربية السعودية، ما يُهدد بإضفاء الشرعية على طموحات طهران في المنطقة. «أخشى أن تتخلى إيران عن شيء ما من برنامجها النووي للحصول على شيء آخر من القوى الكبرى في السياسة الإقليمية»؛ هكذا قال «عبد الله عسكر» - رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشورى المُعيّن في المملكة العربية السعودية لوكالة «رويترز» في نوفمبر عام 2013م. وأضاف «أنا قلقٌ بشأن إعطاء إيران مساحة أكبر أو مزيد من الحرية في المنطقة».

السعودية وإدارة أوباما

وألهم الصدع المتزايد بين واشنطن والرياض بشأن وجهات النظر في المنطقة الملك «عبد الله» بالبدء في التغريد وحيدًا في منطقة الشرق الأوسط والعمل بمنأى عن الحليف الأمريكي. وبدون مساعدة الولايات المتحدة؛ ساعدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة ما أسماه البعض باسم الثورات المضادة. ففي مصر؛ لم تستطع المملكة الانتظار وبادرت بتهنئة الجنرال عبد الفتاح السيسي عقب قيامه بانقلاب عسكري أطاح بالرئيس المُنتخب «محمد مرسي». وتعهدت جنبًا إلى جنب مع الكويت والإمارات العربية المتحدة فورًا بحزمة مالية بلغت 12 مليار دولار أمريكي للتأكد من أن الحكومة الجديدة لن تعجز عن سداد فواتيرها.

وفي الوقت الذي سلك فيه الصراع السوري منحىً أكثر تطرفًا، فقد شنت الحكومة السعودية حملة إعلامية متواصلة بعنوان «قلنا لكم ذلك» لتذكير إدارة «أوباما» أن الجهاديين قادمين. وفعلت الرياض ذلك حتى مع العلم أن واشنطن في حاجة إلى المملكة للقتال مرة أخرى ضد تنظيم الدولة الإسلامية»، وبالفعل دعا «أوباما» العاهل السعودي في 10 سبتمبر/أيلول 2014 علنًا لوضع استراتيجيته لهزيمة الجماعة الإرهابية.

وخلال الأشهر الأخيرة؛ زادت ملفات السياسة الخارجية فقط على مكتب الملك «عبد الله». وكانت طائرات المملكة تحلق فوق العراق ضمن عمليات التحالف الدولي لضرب «الدولة الإسلامية» في الوقت الذي يقوم فيه مسئولون سعوديون بشنّ حملة موسعة ضد المقاتلين الأجانب في الداخل. وبادر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بالمال لإطعام اللاجئين السوريين وكذلك الحكومة السعودية. وسقطت الحكومة المدعومة من السعودية في العاصمة اليمنية صنعاء فقط هذا الأسبوع.

الملك الجديد

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن من الذي سيتعامل مع كل هذه الكوارث المتزايدة. ويتردد أن الملك الجديد «سلمان بن عبدالعزيز» مريض، وبالتالي فإن ولي العهد الجديد الأمير «مقرن» من المرجح أن يقوم بأعباء العديد من المسئوليات التي لم تُنقل له رسميًا. أمّا وزير الداخلية «محمد بن نايف» - الذي تمّ تعيينه كنائب لولي العهد - فمن المنتظر أن يلعب دورًا مؤثرًا هو الآخر بجانب الأمير «مقرن».

ولكن مهما كان الملك السعودي الذي سيأخذ بزمام المبادرة، فإنه سيواجه بمجموعة هائلة من التحديات في السياسة الخارجية بالإضافة إلى الافتقار إلى القوة العاملة في معالجتها. وكانت هناك منافسة مريرة داخل الحكومة السعودية من أجل السيطرة على الملفات الأكثر إلحاحًا، على سبيل المثال ملف سوريا الذي تقاذفه قبل عامين صانعي الصفقة المتنازعين الأمير «بندر بن سلطان» والأمير «محمد بن نايف».

لقد امتلك الرجلان تقريبًا استراتيجيات القطب المعاكس. ففي الوقت الذي استُدعي فيه الأمير «بندر» لنقل الأسلحة والإمدادات إلى المتمردين، فإن الأمير «محمد» ظل يحذر بشأن مخاطر تورط جهاديين سعوديين. وضيّق «بن نايف» على عمليات جمع التبرعات ليصبح بفضل نهجه في مكافحة الإرهاب رجل واشنطن المُفضّل في الرياض.

ومن المرجح أن تسدّ القوى الإقليمية الصاعدة في الخليج بعض الثغرات السياسة أيضًا. فقد حاولت قطر إدارة تداعيات الربيع العربي لمدة ثلاث سنوات بعد عام 2011م عن طريق دعم المتمردين في ليبيا وسوريا والحكومة التي قادها الإسلاميون في مصر. لكن الرياض اعترضت بشكل واضح على سلوك الدوحة الذي وصفه بالعنيد والأحمق، وسحبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءها من الدوحة في مارس من العام الماضي، وتعهدوا جميعًا بعدم إعادتهم مُجددًا إلا بعد أن تتعاون قطر وتغيّر من سياستها. غياب الملك «عبد الله» - الذي قِيل إنه يُعاقب أمير قطر الشاب شخصيًا - سيجعل الدوحة ربما تفكر في إعادة المحاولة.

ومن المرجح في الوقت ذاته أن يستمر صعود نجم الإمارات العربية المتحدة في الارتفاع على اعتبار أنها الحليف الأكثر أهمية في المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية. وشاركت المقاتلات الإماراتية الأمريكية الصنع المعروفة باسم «إسبرطة الصغيرة» في معظم الضربات الجوية في التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ويُعدّ الموقف الإماراتي الرافض للتسامح نهائيًا مع التطرف هو الأقرب إلى سياسة الولايات المتحدة من نظيره السعودي أو القطري.

وبعيدًا عما كان يحدث بصفة يومية؛ فقد حاول الملك السعودي عدة مرات منذ عام 2011 استخدام عباءة القيادة الإسلامية لتهدئة التوترات. وفي أغسطس 2012م؛ عقد قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي؛ حيث حرص على الجلوس خلال وقائعها بجوار الرئيس الإيراني، وحذر الجمهور بقوله «تعيش الأمة الإسلامية حاليًا حالة من الفتنة والانقسام».

والآن؛ فإنه بعد وفاة العاهل السعودي الملك «عبد الله» في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة 23 يناير، فإن الاستقرار في المنطقة بدا وكأنه في طريقه ليصبح مجرد ذكرى بعيدة. إن «الشعور بالأمن» الذي ذكّر به الملك عبدالله المواطنين السعوديين في يونيو/حزيران «هو أعظم نعمة ومنحة».
المصدر | فورين بوليسي
جميع الحقوق محفوظة لموقع الضالع نيوز © 2013© تصميم و إستضافة MakeSolution.com