هل نحن على أعتاب حقبة مظلمة جديدة؟ مثقفون عرب: نعيش لحظة عصف شاملة ستغير شكل المستقبل

14 - أكتوبر - 2014 , الثلاثاء 06:02 صباحا
4151 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةفكر و ثقافة ⇐ هل نحن على أعتاب حقبة مظلمة جديدة؟ مثقفون عرب: نعيش لحظة عصف شاملة ستغير شكل المستقبل

«الضالع نيوز/القدس العربي

هل عاد المغول من جديد؟ هل يمكن ان تحرق مدننا العربية وتدمر وتحرق كتبها وتتحول انهارها إلى اللون الأحمر مرّة أخرى؟
هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى أذهاننا بعد انهيار عدد من المدن في بغداد وسوريا أولاً، ومن ثمَّ ارتفاع الرايات السود في بعض المدن الأخرى ربَّما تمهيداً لدخول جيوشها فيما بعد.. لكن السؤال الأهم هو: هل نحن على أعتاب مرحلة مظلمة أخرى؟
عنيت دراسة اﻷدب العربي بمرحلة (مظلمة) تبدأ مع سقوط بغداد 1258م حتى بشائر النهضة العربية أواخر القرن الرابع عشر، توالت خلالها صفحات معتمة، تراجعت معها علامات الحضارة وسمات اﻹبداع التي انتجت على امتداد عصور سابقة… واليوم بما تشهده حياتنا العربية من ردات وانتكاسات في أكثر من بقعة تمسك فيها العقلية السلفية زمام الأمور… هل يحق للمثقف العربي ان يسأل إنْ كنا، بحق، على أعتاب مرحلة أخرى؟
«القدس العربي» فتحت هذا الملف ليكون باكورة مراجعات لوضعنا الراهن ثقافياً واجتماعياً، وربما سياسياً، من أجل الوقوف على أهم سمات المرحلة الانتقالية التي نعيشها:

اجترار الماضي

الناقد العراقي الدكتور عقيل عبد الحسين ان العقل العربي يبدو، على الأقل فيما يخص الأدب، لم يشهد ازدهاراً حقيقياً بعد ضعف الخلافة العباسية، أي قبل سقوط بغداد بعدة قرون. وكل ما صار يقوم به الأدب لاحقاً، هو إما استعادة الأنموذج الشعري والأدبي الذي اكتمل ووصل إلى قمته في القرن الهجري الثالث مع رموز التجديد كأبي تمام، أو محاولة الاستفادة مما وصل إليه الغرب في مجال الأنواع الأدبية التي لم يعرفها العرب، أو في مجال الشعر. وقد كان لهذا الأمر تأثير في استقدام الرواية وتوطينها في البيئة العربية.
مضيفاً ان مثل ذلك حصل في النقد وفي الدعوات الفكرية إلى النهضة والتحديث، وجميعها كانت تستفيد من الأنموذج الغربي، وتعمل على التوسط بينه وبين عقلية عربية تقليدية يصعب تغييرها في الجوهر، و»سأقول لماذا يصعب في رأيي تغييرها تغييراً حقيقياً، ولكن قبل ذلك عليّ ان أعطي مثالاً ليكون الكلام واضحاً فيما يخص النقد الأدبي، فقد حاول طه حسين، ونجح في إثارة البيئة الأدبية التقليدية التي تتمسك بحفظ الشعر القديم وشرحه وتعليمه لغايات أخلاقية، وبالمناسبة فطه حسين لم يتوجه إلى الشعراء الجدد في كتابه «في الشعر الجاهلي»، ولا إلى الجمهور، ولا إلى حركات التحديث كالديوان والمهجر وأبولو، ولعله كان يتحول إلى ناقد تقليدي مع الشعراء يطالبهم بما يطالب النقد القديم الشعراء، كما فعل مع إبراهيم ناجي الذي نقده نقداً أقرب إلى الهجاء».
ويضيف عبدالحسين ان طه حسين كان يتوجه إلى المؤسسة الدينية في استعادة للصراع الذي خاضه المجتمع المدني الغربي في عصر النهضة مع رجال الدين، وهو ينتمي بذلك، وبوعي منه أو من دون وعي، لما صار شائعاً في الواقع العربي الفكري والثقافي والأدبي بصفة الولاء (المذموم) للغرب وأنموذجه المدني، وإعلان ذلك الولاء، والمجاهرة به، ومواجهة التقليديين علنا. وذلك شيء ظهر في القرن التاسع عشر على يد الشوام الذين هاجروا إلى القاهرة، ونادوا بالمدنية الغربية، وباتخاذها وسيلة للتقدم، كما فعل فرح انطون وفرنسيس فتح الله مراش. وهو أمر انتقل إلى العراق، من خلال ارتباط المثقف بالخروج على الرأي العام الذي ينتمي أكثر إلى طبيعة المجتمع وتقاليده، ومثّله أوضح تمثيل الشاعر الزهاوي. هذه الظاهرة استمرت إلى فترات لاحقة، ودخلت مع تطور النقد والكتابة الشعرية لتتغلغل في ظاهرة مهمة كالحداثة فتربكها إلى درجة لم يجد معها ناقد كالغذامي صعوبة في نسبة رمز من رموز الحداثة إلى التقاليد الثقافية العربية التي تصنع الفحل الأوحد في الشعر والسياسة، ولعل الغذامي ما كان سيجد مثل هذا التفخيم الذي استقبل به كتابه «النقد الثقافي» لو انه شخّص أدونيس في سياق ظاهرة اليأس من إمكانية إقامة أنوار عربية بالاستناد إلى الموروث العربي ذاته، ومن دون الاستناد إلى الغرب والأنموذج الغربي. وهو يأس مبرر بهيمنة النص القراني على أساليب التفكير والوعي وانتاج النص، ومن بعد ذلك أو من قبل ذلك كله، على الثقافة. وهي هيمنة ألغت حتى أساليب الكتابة والإبداع التي يمكن لها ان تنتج ثقافة مختلفة مثل الفلسفة أو النحت أو الرسم، ولم تبق إلا على التفسير، والتفسير المتشدد في فهم النص، طاردة كل ما عداه ومشهرة به.
ويطرح عبد الحسين سؤالاً يعده الأهم: هل من بارقة أمل كما يقولون؟ هناك نوع من الكتابة اسمه الرواية يعمل بهدوء وبعيداً عن الرقابة ويعنى بنفسه ويعيد النظر في القيم الاجتماعية، وهو يواصل تطوره مستفيداً من انشغال الجمهور بالصراعات المذهبية وما يغذيها من تفاسير وفتاوى ومرويات تتصل بها. وهو، إذا ما انتفعت منه الدراما والسينما والتعليم، سيحقق نقلات هادئة في الوعي ومتقبلة، لأنه الأقرب إلى الواقع، والأبعد عن الأنموذج الاستفزازي الذي قامت عليه محاولات الإيقاظ السابقة، خاصة إذا انتبه كتّابها، أي الرواية، لأهميتها فتخلوا عن المباشرة والتوثيقية ومداعبة الحس العام بالفجيعة، كما يحصل في قسم من المنجز الروائي العراقي الآن.

أملٌ يتجدد

ويؤكد الشاعر المصري فتحي عبد السميع اننا على أعتاب مرحلة مظلمة، مضيفاً ان هذه المرحلة ستعقبها مرحلة منيرة، فهذا هو خط سيرنا التاريخي، هناك دائماً، خطوات ناجحة سرعان ما تعقبها نكسة، وهذا يدل على قابلية الأوضاع للتغيير الإيجابي، كما يدل على سطوة القوى التي تفزع من ذلك التغيير. ويشير عبد السميع إلى ان العقلية السلفية ليست قدراً، بل هي صناعة ماهرة للقوى المضادة للتغيير، والصفحات المعتمة التي تتوالى منذ القرن الخامس عشر وليدة ظروف اقتصادية وسياسية، بدأت بثورة تجارية أوروبية مع اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، حققت وفرةً في الغرب، وكساداً في العالم العربي، وسرعان ما استطاعت الوفرة المادية توفير مناخ مناسب لحركة فكرية وعلمية أدت إلى الثورة الصناعية، وكان بإمكاننا اللحاق بتلك الثورة منذ مدة، كما في عصر محمد علي باشا الذي شهد خطوات ناجحة، لكننا سرعان ما وقعنا فريسة لاستعمار غربي متوحش، نهب الثروات بقوة السلاح، وصنع نخبة متسلطة من العرب إنفسهم، ربط مصالحها بمصالحه، وتعاونّا معاً لبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
وبيّن عبد السميع انه بعد سقوط فكرة الاستعمار، ظهرت خطوات ناجحة للخروج من الوضع المتخلف، وسرعان ما جاءت نكسة يونيو/حزيران 1967، وتم تدشين الكيان الصهيوني كقاعدة استعمارية استثنائية، بينما تولت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة استعمار داخلي يؤدي واجبه في نهب الثروات، وبقاء الوضع كما هو عليه، من خلال نظام (مكافحة التمرد) الذي يقوم على إشعال فتن داخلية، ويستهدف تفتيت المجتمعات من الداخل، والتصدي مبكراً لكل تغيير إيجابي، وقد تمكنت من بسط هيمنتها الاستعمارية بوسائل فنية، وظلت قوتها العسكرية جاهزة للتدخل عند اللزوم. وهكذا دخلنا نفقاً أمريكيا مظلماً، وتلك الخلفية تبدو ضرورية عند الحديث عن العقلية السلفية، فهي بنت المُستعمر وأعوان المُستعمر، وهذا مصدر قوتها، ونقطة ضعفها في نفس الوقت، ومن هنا يظل الوضع على ما هو عليه، أملٌ يتجدد، ولا يعرف الموت، ونكسة تتجدد أيضاً.

الظلامية والمحو

لعل من البديهي القول بأن كل ما نمر به من أوضاع هو نكسة كبيرة، على الرغم من الآمال الكبرى التي راودتنا بين حين وآخر؛ حسب ما يقول الكاتب العراقي عبد الهادي سعدون، «أقول آمال كبيرة لما جرى من أوضاع تصحيحية وثورية في عالمنا العربي جعلتنا نأمل بتحسن كبير في الحريات والتحضر التي تحتاج لها منطقتنا منذ وقت طويل، خاصة وان الدكتاتوريات والتسلط والرعب قد ساهمت بتشكيل الخوف تشكيلاً تاماً في نفوس البشر، على الأخص في الجوانب الفكرية والثقافية. ولكننا اليوم نرجع بشكل مختلف إلى النقطة ذاتها: التخويف والرعب والموت المجاني في ظل انحطاط سياسي وعقائدي، وتراجع كبير في مفهوم الحريات وفهم الآخر والتسامح والحوار».
لكن عبد الهادي يستدرك بحديثه: لن أكون يائساً بالمرة وانا أقول ان الخطر موجود وان عدم الحديث فيه معناه زواله أو عدم حصوله. يجب ان نكون شجعاناً ولو لمرة واحدة في الحياة لكي نشير للخطر ونحاول ان نداويه. نعم نمر بأوضاع قد تعيدنا إلى أكثر من تلك المرحلة المظلمة من الجهل والتعنت والسوداوية، وقد تقضي علينا بالمرة. الثقافة والفكر تساهم بالعلاج من هذه المحنة مثل غيرها، ولكنها ليست السلاح الوحيد. «أعتقد ان الأهم في مواجهة سوداوية السلفية بكل أقطابها، هو السعي لبناء مجتمع مدني سليم على أساس التعاون والمساواة والحرية ومحاربة كل دعوة تضليلية تتقنع بأسماء الدين والاعتقاد أو ما شابه. مجتمع نسعى جميعاً لبنائه ولا مجال لترك جزء أو تهميش جزء آخر.. أعرف ان العملية ليست بهذه السهولة مثل قول جملة وكفى، ولكنها ليست بالصعبة لو تم مجابهتها منذ الان.. الظلامية ليست خطراً على جانب دون آخر، الظلامية والتهديد والتشكيك والتقتيل بهدف محو الآخر والاختلاف معه تصيب الكل، وخاسرها الأكبر هو المجتمع المدني وكل فكر حر فيه».

حوارات عمياء

الناقد البحريني جعفر حسن يرى انه إذا كانت المرجعية الكبرى للأدب هي الحياة الاجتماعية، فمن الطبيعي ان تكون العلاقة بين الأدب والحياة الاجتماعية برمتها متجادلة تؤثر وتتأثر بذات الوقت، وعلى الأغلب اننا نرى خللاً في السلطة العربية، فقد جاءت شرعياتها إما من الانقلاب العسكري أو من الوراثة، بينما اختفت الشرعية العقلانية (القانونية)، فانتجت أنظمة دكتاتورية اعتمدت في الغالب ديمقراطية شكلية قامت السلطة بتوزيعها على قوى الموالاة ضمن ثلاثية العقيدة والغنيمة والقبيلة.
ويضيف: بينما دمرت السلطة الهوية الجامعة عبر تدمير المواطنة، وضرب مكونات المجتمع ببعضها، فأعلت الهوية بوصفها العقيدة، فضاقت الهويات إلى (طائفية، مناطقية، قبلية، عرقية) ما دمر الفرد وفكك المجتمع. نظن ان تلك الديمقراطية الشكلية قد انتجت حزما من القوانين تقلص ما حصلت عليه الشعوب من حريات، وأتاحت تلك الدكتاتوريات لأشد القوى تطرفاً مساحة لتنمو على حساب القوى التقدمية اليسارية والليبرالية والعلمانية المضروبة بشدة من قبل آلتها الباطشة ضمن بنية الدولة العميقة وغياب التنمية المستدامة وانهيار الطبقة الوسطى كل ذلك كان تدميراً للمستقبل، وأعاد المجتمع لردة عارمة فرّخت داعش وما شاكلها من تنظيمات لا تقبل المختلف ولا تحاوره، بل تقوم بتدمير تراث الإنسانية. وبعد ذلك يتعجب البعض من سرعة انتشار هذه الحركات التي كانت تتمدد في جذور المجتمع عبر مسك المفاصل الاجتماعية، وتمكنت تلك القوى من محاربة كل ما تستشعر انه خارج على التبعية وينشد الحرية بواسطة قوانين مثل الحسبة، وتلك التي تجرم المساس بالصحابة وغيرها من شخصيات التاريخ السياسي والديني من دون تمييز ضمن عقلية التحريم، وقامت عبر الوطن العربي بشن هجوم واسع تعرض له الكثير من المبدعين والأدباء والمفكرين من محاكمات منذ التسعينيات. كانت تحاول كبح صوت التقدم والبناء مثل حيدر حيدر ونوال السعداوي وليلى العثمان وكرم صابر ونصر حامد ابو زيد وغيرهم، ومنع كثير من المؤلفات، وانتشار الفضائيات التي تبعد الإنسان عن مشكلاته المعاصرة وتدخله في حوارات عمياء عن بأي رجل سيدخل الحمام. وينهي حسن كلامه بان هناك المسألة أمامنا تبدو انها لحظة تغير شاملة يمور في داخلها جنين لمستقبل آخر غير الذي عرفناه، أعتقد انه عصر نهاية الانحطاط على كل الأصعدة.

صراع الثقافات

أما من وجهة نظر الناقد والمترجم العراقي الدكتور معن الطائي فقد شهد العالم سلسلة من أحداث العنف والعنف المضاد الذي انطلق مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى تغييرات بنيوية في طبيعة النموذج الثقافي السائد. فمع سقوط جدار برلين عام 1989 دخل العالم حقبة جديدة تميزت بصعود التوتر الحاد لما يعرف بسياسات الهوية والتمركز الهوياتي، مبيناً ان هذه التداعيات جاءت على شكل موجات من العنف المسلح والإرهاب العالمي، والذي حوّل الصراع السياسي والآيديولوجي إلى صراع حضارات وثقافات. وازداد التمركز الهوياتي تطرفاً بعد تحول الغرب إلى القوة العسكرية المباشرة، كما حدث بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الشهيرة عام 2001 واحتلال أفغانستان من قبل القوات الأمريكية والبريطانية في العام 2001 واحتلال العراق في العام 2003.
ويضيف الطائي انه لم يعد ممكناً بعد الان قبول أفكار ما بعد الحداثة والتي عملت على تقويض كل صيغ إدراك الواقع الخارجي وروجت لما يعرف بالانعكاس الذاتي للعمل الإبداعي والتراجع النهائي للمعنى ونسبية المواقف الأخلاقية. فمع انطلاق الإرهاب العالمي وتهديده الوحشي للمجتمعات على مستوى كوني عابر للحدود، أصبح من الضروري اتخاذ موقف واضح مما يحدث على صعيد الواقع المعاش، بعيداً عن مقولات التناص والمحاكاة الزائفة.
أما على الصعيد الثقافي، فيرى الطائي ان ما بعد الحداثة تراجعت على مستوى كوني، مفسحةً المجال لتنامي النزعة الإنسانية ذات الحس الأخلاقي المشترك والشعور بالمسؤولية تجاه جرائم الإبادة وموجات القتل العشوائي والعنف الهوياتي مهما كانت ثقافة الطرف الذي يمارسه. وفي هذا السياق شهدنا تحول جاك دريدا إلى الفلسفة الأخلاقية في كتبه (قانون القوة) و(أطياف ماركس) و(سياسات الصداقة)، وتزفتان تودوروف في (الحياة المشتركة) و(الخوف من البرابرة). وليست منطقتنا العربية بمعزل عن تلك التحولات الكونية العميقة، فهي في قلب الصراع الهوياتي والمسرح الرئيس للأحداث الدموية. فنحن فعلاً على أعتاب مرحلة جديدة، ولكن على مستوى كوني، وليس على نطاق إقليمي ضيق، مرحلة سيكون للنشاط الثقافي فيها أهمية بالغة في دحر الفكر الظلامي وتجاوز نزعات التمركز الهوياتي عبر سياسات تقبل الآخر والتنوع في الهوية والمعتقد. فما أفسده السياسي لا يمكن إصلاحه إلا من خلال الوعي الثقافي المنفتح على مسؤولياته الأخلاقية الكونية.

مساحات التفاؤل

نزار سرطاوي، الشاعر والمترجم الفلسطيني، يوضّح ان العالم العربي من الماء إلى الماء، يشهد انتكاسات حضارية متلاحقة بدأت بزلزال 2003 الذي تمثَّل باحتلال بغداد من قبل الجيش الأمريكي وما تبعه من ارتدادات اتسعت دوائرها لتشمل العالم العربي بطوله وعرضه، مضيفاً ان هذا العالم كان قد بدأ يشهد ملامح نهضة جديدة منذ بداية الثلث الثاني من القرن العشرين، أي منذ بداية انحسار الاستعمار الأوروبي عن المنطقة. وقد انعكس ذلك على الحياة الثقافية والفكرية والأدبية التي أرسى قواعدها جيل من الأدباء الرواد. وقد ترك هؤلاء بصمات واضحة في الحركة الإبداعية وتراثاً اتكأ عليه الجيل اللاحق في انطلاقه نحو آفاق إبداعية أرحب. لكن الهزائم التي تعرضت لها الأمة اعتباراً من عام 1967، إلى جانب استئثار النخب السياسية بالسلطة وتحكمها بثروات الشعوب ومصادرتها للحريات، كل ذلك أدى إلى تراجع تدريجي في مختلف الجوانب في حياة الإنسان العربي، وليس أقلها الجانب الإبداعي. وقد نتج عن هذا التراجع انحسار الثقة في الموروث الثقافي. وتجلى ذلك في ظاهرتين رئيستين: استيراد الثقافة والانكفاء على الذات. وتتمثل الظاهرة الأولى في التوجه نحو الثقافة الغربية بمعطياتها المختلفة من دون تمييز. فلا تكاد تجد ناقداً يتحدث إلا وفي جعبته مجموعة من الأسماء الأعجمية التي كثيراً ما يخطئ في تهجئتها ولفظها والمصطلحات النقدية الغربية، التي ربما يعجز عن إدراك مضامينها ومدلولاتها إدراكاً صحيحاً. فهي نتاج ثقافات تختلف بصورة جذرية عن ثقافتنا.
أما ظاهرة الانكفاء على الذات، فيشير سرطاوي إلى انها أصبحت شائعة بصورة لافتة في لغة كتابنا وشعرائنا. فتجد على سبيل المثال إقبالاً شديداً على استخدام أفعال تنحو في تركيبها هذا المنحى: أمنحني، اسألني، أسمعني. فالشاعر يمنح نفسه ويسأل نفسه ويسمع نفسه. ونجده الكاتب أيضاً يكثر من استعمال مفردات مثل الظل والمرأة وسواهما من الكلمات التي تؤكد على الذات وتشير إلى فقدان الثقة في الآخرين.
ويبيّن سرطاوي ان انهيار بغداد فتح أمام الهجمة الأمريكية الشرسة شهوة الغرب للانقضاض على الأمة العربية، ليس للاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها فحسب، بل لتقسيمها وإضعافها وتدمير منجزاتها الحضارية بصورة لا تمكنها من النهوض مجدداً إلا بعد آماد طويلة. ليست أمامنا مساحة كبيرة للتفاؤل. فما يراد بنا هو ان ندخل في نفق مظلم لا نهاية له. فهل نسير في الطريق الذي يرسم لنا راضين طائعين؟

صفاء ذياب

*عام على رحيل رائد النشيد الإسلامي* *رضوان خليل (أبو مازن)* الضالع نيوز - خاص - فؤاد مسعد النور ملء عيوني والحور ملك يميني وكالملاك أغني في جنةٍ وعيونِ في القاهرة قضى رائد النشيد الإسلامي سنواته الأخيرة حتى وفاته في الـ15 مارس 2023، عن عمر ناهز 70 عاماً، تاركاً أثراً خالداً من تتمة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات