البعد الثقافي ودوره في إجهاض عملية التغيير باليمن

21 - ديسمبر - 2014 , الأحد 04:17 مسائا
3642 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةفكر و ثقافة ⇐ البعد الثقافي ودوره في إجهاض عملية التغيير باليمن

البعد الثقافي ودوره في إجهاض عملية التغيير باليمن

الضالع نيوز | عبده القصلي


في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، يدور حديث واسع عن الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت في 11 فبراير 2011، وتختلف التقييمات لهذه الثورة، بين قائل إنها كانت سبباً في إيصال البلاد إلى ما هي عليه من تردٍ اقتصادي وسياسي وتشظٍ اجتماعي على أسس مذهبية ومناطقية، وآخر يقول بأن الثورة كفعل جمعي لا بد أن تمر بعدة مراحل حتى تصل إلى تحقيق أهدافها كاملة، واعتقاد البعض بأن الثورة اليمنية -مثل بقية ثورات الربيع العربي- لا تعدو كونها مجرد مؤامرات أمريكية وإسرائيلية.

تميزت ثورة الشباب بأنها كانت مختلفة تماماً عن الثورات السابقة التي شهدتها البلاد، يتمثل ذلك في سلميتها وعفويتها وسمو أهدافها، ومشاركة مختلف الفئات الاجتماعية فيها، وظن الجميع أن اليمن أصبحت قاب قوسين أو أدنى على أعتاب مرحلة جديدة من الديمقراطية والمشاركة السياسية الواسعة والرفاه الاقتصادي والمعيشي، إلا أنه بعد نحو أربع سنوات على اندلاع الثورة تلاشت هذه الأحلام، وأصبح مطلب الجميع هو أن يبقى كيان الدولة الهش صامداً خشية الانهيار الكامل ودخول البلاد في حروب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر. وهنا السؤال: لماذا حدث ذلك؟ ولماذا وصلت البلاد إلى هذه المرحلة؟ وهل الثورة فشلت؟ وما هو الدور الذي لعبه وما زال يلعبه البعد الثقافي في إجهاض عملية التغيير؟

ثقافة ترسيخ الاستبداد

لقد كان للبعد الثقافي دوره الكبير المعوق لعملية التغيير حتى أثناء الثورة، حيث كان كثير من الخطباء المنتمين إلى بعض الجماعات السلفية يفتون بتحريم المظاهرات ضد ولي الأمر أثناء خطب الجمعة، ولم يستنكروا مجرد استنكار إقدام ولي الأمر على قتل المتظاهرين، بل كانوا يكفرون حتى إخوانهم السلفيين الذين أعلنوا التحاقهم بالثورة، واتهموهم بالزندقة وشتى التهم.

إذن، لا بد من الإقرار بأن الأهداف الكبيرة والسامية التي اندلعت من أجلها الثورة جاءت في وقت لم تكن فيه البلاد مهيأة لعملية تحول ديمقراطي كبيرة وسريعة، نظراً لترسخ ثقافة الاستبداد والطغيان خلال سنوات طويلة، وهي الثقافة التي كرست بقاء الحاكم الفرد المستبد والطاغية مستنداً إلى مقولات دينية رسختها وساعدت على انتشارها الجماعات السلفية التي حظيت بدعم الحاكم وتمددت في مختلف أرجاء الوطن وتكفر الديمقراطية وتحرم الخروج على الحاكم أو منافسته في الانتخابات، وتحرم الحزبية وكافة أشكال الديمقراطية من انتخابات وغيرها.

وخلال سنوات الاستبداد والطغيان، لم يكتف الحاكم الفرد بمحاربة ثقافة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، والاكتفاء بهامش ديمقراطي يجمل به وجهه المستبد أمام العالم، بل كان يعمل على ترسيخ ثقافة الرضا بالفقر والزهد بالدنيا وأن كل ما يحصل للإنسان من مرض ومصائب وهموم وأزمات هي دليل على حب الله سبحانه وتعالى للإنسان، وهنا سيقتنع الإنسان بالمرض وسيتمنى أن يظل مريضاً ولن يلعن الحاكم الذي لم ولن يوفر له المستشفيات المجانية والخدمات الصحية الراقية والضمان الاجتماعي.

ولعل الجميع يتذكرون كيف كان كثير من الخطباء يركزون على مسألة الزهد في الدنيا، والرضا بالقليل، وأن الحاكم لا يتحمل مسؤولية انتشار البطالة وعدم وجود الوظائف وفرص العمل، وكيف أن المكتبات امتلأت بالكتب التي تحرم الديمقراطية والانتخابات، وانتشرت الأشرطة التي تكفر حركة الإخوان المسلمين، وتهاجم القرضاوي والزنداني وجامعة الإيمان بشدة، وتهتم بالتنظير للأمراض الشيطانية والعلاج بالقرآن، بالإضافة إلى التوزيع المجاني للكتيبات والأشرطة القادمة من الخليج التي جعلت من قضايا بسيطة مثل إطالة اللحية وتقصير الثوب وتحريم الأغاني أبرز قضايا العصر، وجعلت منها قضايا رأي عام شغلت الناس عن همومهم المعيشية وصرفت عنهم قضية الديمقراطية لفترة طويلة من الزمن.

كما عمل الحاكم المستبد، مثل غيره من الحكام المستبدين في المنطقة العربية، على تعزيز ثقافة السخرية من الغرب الكافر وحضارته المادية الزائفة، والتحذير من تقليد الغربيين في المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وكل ذلك من أجل كبح أي مطالب شعبية تطالب ولي الأمر بتحقيق ولو الجزء اليسير من الحياة المعيشية المستقرة، ولم يبق إلا أن يؤكد الخطباء بأن الإسلام حرم على ولي أمر المسلمين أن يتشبه بولي أمر الكافرين في تحقيق الحياة المعيشية الراقية والرفاهية وتحقيق الأمن والاستقرار، وأنه لا بد أن يخالف الكفار ويجعل شعبه يعيش فقيراً متسولاً جاهلاً مريضاً يموت بلا مأوى وحافي القدمين.

وسط هذا الجو المشحون بثقافة الاستبداد وترسيخه تحت مقولات دينية مثل “حاكم غشوم خير من فتنة تدوم”، و”أطع ولي الأمر وإن جلد ظهرك ونهب مالك”، بدأت تنتشر ثقافة مقاومة الفساد على نطاق محدود في أوساط شباب الجامعات، الذين رأوا أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: “وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ”، سورة الشعراء، الآية 151 – 152. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر”، وذلك بعد سنوات الطفولة التي كانوا يسمعون فيها آية يرددها دائماً بعض خطباء المساجد، وهي قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ”، سورة النساء، الأية 59.

غياب التأهيل الثقافي

إذا كان شباب الجامعات والخريجون العاطلون عن العمل هم من فجروا الثورة، ثم التحقت بهم فئات اجتماعية أخرى، إلا أن هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم وسط فوضى أثرت على المسار الثوري نتيجة الثقافة الديمقراطية المتواضعة لدى الأحزاب السياسية والنخب الثقافية والقبلية والعسكرية التي أعلنت انضمامها للثورة، الأمر الذي مكن الحاكم المستبد من اختراق الثورة من خلال الدفع بجماعات وشخصيات غير ثورية كان هدفها إنهاك الثورة من الداخل، وكانت عملية الاختراق هذه تتم وسط ترحيب الثوار في الساحات، الذين أعماهم حماسهم عن الحرص على بقاء الثورة نقية وطاهرة من المتسلقين على ظهرها، والذين تحولوا فيما بعد إلى أبرز معيقي عملية التغيير.

ولسوء حظ الحالمين بالتغيير أن ثورات الربيع العربي -وخاصة الثورة اليمنية- أنها اندلعت في وقتٍ لم تكن فيه الشعوب العربية مؤهلة للثقافة الديمقراطية، ومازال الكثير من أبناء هذه الشعوب متأثرين بثقافة الاستبداد، وهي الثقافة التي ناصرت الانقلاب العسكري في مصر، وناصرت الحوثيين وأنصار المخلوع علي صالح في اليمن، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا وتونس وليبيا!

وتعلمنا دروس التاريخ أن التحول الديمقراطي يتطلب تعزيز خيارات ثقافية معينة، كما يقتضي تأهيلاً اجتماعياً ووطنياً يجعلنا في مستوى المشاركة السياسية المطلوبة كما هو حاصل في المجتمعات الديمقراطية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي وصل فيها مواطن أسود إلى الرئاسة، في حين يعمل البعض في اليمن على تكريس ثقافة أن الولاية والحكم يجب أن تكون في أسرة محددة وفق شروط محددة، وأن بقية أبناء الشعب ليسوا سوى مجرد عبيد أو مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، كما كان حاصلاً في عهد الأئمة المستبدين.

لا شك أن بعض الأحزاب السياسية رسخت لدى أنصارها ثقافة النضال السلمي ضد الفساد والاستبداد، ولا شك أيضاً ان بعض النخب الثقافية كان لها دور كبير في نشر الثقافة الديمقراطية، إلا أن تلك الجهود كانت متواضعة ولم تنجح في إحداث حراك ثقافي وسياسي يعمل على تهيئة الأرضية المناسبة لاندلاع الثورة، ثم إن الثورة اندلعت بشكل تلقائي وبدون تخطيط مسبق وبرنامج عملي ورؤية لما بعد نجاح الثورة، والأغرب أنها كانت ثورة بلا قيادة، سواء قيادة سياسية أو ثقافية، وهو الأمر الذي مكن القوى التقليدية العتيقة من التسلق على ظهرها وتحويلها إلى أزمة سياسية بغية إنهاكها وبالتالي إجهاضها كي تتوفر الأجواء المناسبة لأن يعيد الاستبداد إنتاج نفسه من خلال وجوه أكثر قبحاً من تلك الوجوه التي كانت مألوفة قبل قيام الثورة.

كما أن ضعف الثقافة الديمقراطية لدى شباب الثورة وهيمنة روح الاستبداد ظهرت في الأصوات المعبرة عن الثورة، من خلال اللجنة التنظيمية للثورة، وهي اللجنة التي كرست نفسها كديكتاتور جديد، فاللجنة هي من تسيطر على المنصة وتحدد من يصعد إليها، وهي من تختار التسميات الغير موفقة ودقيقة لأيام الجمع، مثل “جمعة الحسم” و”جمعة الإنذار الأخير” دون برنامج عملي يحقق ذلك، وهي من تنسق مع مراسلي القنوات الفضائية لتحديد من سيتحدث باسم الثورة، وهي من تعطي هؤلاء التعليمات ما الذي يقولونه رداً على الأسئلة المحتملة للمذيعين، وكان كل واحد منهم يردد نفس الكلمات البسيطة التي قالها زميلة للقناة ذاتها من قبل، وهذا يعكس ضعف الثقافة السياسية والديمقراطية لدى من تصدروا المشهد، وكان المؤهل الوحيد للمتحدثين هو القدرة على التحدث باللغة العربية الفصحى قدر الإمكان، بصرف النظر عن مدى ثقافتهم، والعجيب أن بعض مدربي التنمية البشرية والصحفيين العاديين تحولوا فجأة إلى باحثين ومحللين سياسيين وخبراء استراتيجيين يظهرون عبر القنوات الإخبارية كمنظرين للثورة اليمنية، مع أنهم كانوا يرددون نفس الكلمات التي يرددها شباب الثورة المعينين من قبل اللجنة التنظيمية للثورة، وهذا الأمر ساهم في تحويل الثورة إلى أزمة سياسية بين القوى التقليدية.

ونتيجة لكل ما سبق، فقد كانت هذه الثورة بلا بيان ثوري، ولا برنامج عملي لمرحلة ما بعد نجاح الثورة، ولا قيادة سياسية وثقافية تتصدر المشهد وتتزعم الثورة وتقود المرحلة الانتقالية لتفوت الفرصة على المتسلقين على ظهر الثورة، والعجيب أن الذين نصبوا أنفسهم خبراء استراتيجيين ومحللين سياسيين كانوا يقولون إن ذلك من إيجابيات الثورة وعوامل قوتها، رغم أن القوى التقليدية والشخصيات ذات التاريخ الأسود كانت تعلن تباعاً انضمامها للثورة، ولولا هذه الأخطاء لكان الرئيس الانتقالي قد تم اختياره من شباب الثورة المرابطين في الساحات، وليس رئيساً عاجزاً مسكوناً بالأحقاد والضغائن والأمراض المناطقية.

ثقافة الانجرار إلى الماضي

الشعوب العربية هي الشعوب الوحيدة في العالم التي استهوتها فكرة الانجرار إلى الماضي ولا تتطلع نحو المستقبل كما تفعل بقية شعوب العالم، ويعود ذلك إلى الثقافة التي كرستها المناهج التعليمية وثقافة الاستبداد التي رسخها الحكام الطغاة في محاولة لصرف الأنظار عن التطلع إلى مستقبل أفضل، وكالعادة مازالت المناهج التعليمية تتغنى بماضي العرب وأمجادهم، حيث كانت هناك حضارات قائمة، وآثار ونقوش تدلل على ذلك، ومعارك الفتح الإسلامي وقوة المسلمين وتطور العلوم في ذلك الوقت… الخ.

وقد هيمنت ثقافة الانجرار إلى الماضي على الثقافة السياسة العربية، وشكلت واحدة من أبرز معوقات التغيير حتى في مرحلة الثورات، وكان أبرز تعبير عن هذه الثقافة أن أقدم الثوار في ليبيا على رفع علم الملكية بدلاً من العلم الحالي للجمهورية أو وضع علم جديد يعبر عن المستقبل، وفي سوريا أقدم الثوار هناك على رفع علم الانتداب الفرنسي على سوريا قبل الاستقلال.

أما في اليمن، فقد ظهر من ينادي بعودة الإمامة ولكن بشكل غير مباشر، وظهر من ينادي بعودة علي عبدالله صالح، وفي الجنوب الكثير من فصائل الحراك تنادي بعودة علي سالم البيض، وبعضها تنادي بعودة علي ناصر محمد. ويُلاحظ أن أنصار الحراك الانفصالي رفعوا علم دولة ما قبل الوحدة، والغريب أن من تصدر المشهد في الجنوب هم من تسببوا بالفرقة والانشقاقات بين أبناء الجنوب قبل الوحدة وبعدها، ولو أن شباب الجنوب رفعوا علماً جديداً لا علاقة له بدولة ما قبل الوحدة، وأطلقوا تسمية جديدة على الدولة المأمولة لا علاقة لها بتسمية ما قبل الوحدة، ونصبوا قيادات للحراك من الشخصيات الشابة التي لم يتلوث تاريخها بالفساد والإجرام والانشقاقات البينية، لكان التف غالبية أبناء الجنوب حول القيادات الشابة والجديدة، ولكانوا حققوا الانفصال منذ عدة سنوات، وكانت النتيجة أن كل دعوات عودة الماضي أثرت بشكل مباشر على الثورة الشعبية السلمية.

ورغم أن الثقافة العربية السائدة تمثل أكبر عوامل إجهاض أحلام التغيير، إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف، فحركة التاريخ تدور وتفرض سننها على الجميع، ويمكننا القول إن ثورات الربيع العربي -رغم الأخطاء- إلا أنها تمثل حجر الأساس للتغيير، فيكفي أنها قضت على الثقافة الاستبدادية التي رسخها الحكام، المتمثلة في قدسية ولي الأمر وعدم جواز الخروج عليه. أما الأخطاء الأخرى فإن الأيام كفيلة بالقضاء عليها، فالمتوقع هو أن يتأهل العرب ثقافياً بعد أن يتحرروا من ثقافة الانجرار إلى الماضي ويتطلعوا نحو مستقبل أفضل.

*نقلا عن صحيفة الناس

*عام على رحيل رائد النشيد الإسلامي* *رضوان خليل (أبو مازن)* الضالع نيوز - خاص - فؤاد مسعد النور ملء عيوني والحور ملك يميني وكالملاك أغني في جنةٍ وعيونِ في القاهرة قضى رائد النشيد الإسلامي سنواته الأخيرة حتى وفاته في الـ15 مارس 2023، عن عمر ناهز 70 عاماً، تاركاً أثراً خالداً من تتمة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء