معركة الخلاص الثوري وداء الاستبداد المسنود خارجيا!!

21 - أبريل - 2014 , الإثنين 07:09 مسائا
4364 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
الرئيسيةد/عبدالحي علي قاسم ⇐ معركة الخلاص الثوري وداء الاستبداد المسنود خارجيا!!

د/عبدالحي علي قاسم
انحسر السجال الدائر بين القوى الثورية الإصلاحية وآفة الاستبداد العضال في المنطقة على معطيات مخيبة للآمال في نظر البعض، وطبيعية من وجهة نظر أخرى، فمعركة الخلاص من ركام التسلط ليست بذات اللمسة السحرية التي كانت تتوقعها الشعوب العربية، فقط خروج ثوري وهروب للزعيم أو انزوائه، وبعدها تجني الشعوب ثمرة الثورة، المشكلة هي أعقد بكثير مما تتوقعه وتطرحه الذهنيات المسطحة، فمعركة الخلاص بحاجة لوقت كافي، وجهود جبارة، وأفكار خلاقة لا تعرف الهزيمة، ولا طريق لليأس يساور روح إرادتها كي يفرمل زحف مسارها الثوري.

الاستبداد آلة ماحقة تسحق كل من يحاول اجتثاث نبتتها الشريرة، لا أخلاق تحكمها، ولا قيم تهذب مسارها، مجردة من أبسط الأخلاق الحيوانية، همها الوحيد البقاء لذاتها، والإقصاء بأبشع صوره لكل من تستشعر خطره، أو يحتمل مضايقته ولو لجزء من نزواتها، ناهيك عن أن تكون للشعوب نوايا خلاص تترجمها بفعل ثوري يأتي على أنقاض سلطتها، وسؤدد ملكها، وخضراء العيش الحصري لمملكة الأسرة ومن يدور في فنائها الرخيص.

تجنى فريق اليأس، الذي ما زال يأنس للنفس التسلطي، ويقتات على موائده من كتاب ومفكرين، وحمل المشروع الثوري الإصلاحي تبعات السجال الدائر في المنطقة العربية ومآلاته، ويتشاءم من حيثيات أي طالع قادم ينشد الديمقراطية، ويستميت للتخلص من الاستبداد بحجج العدمية، والتراجع التي أفرزها واقع ما بعد الثورة، دون أن يمهل الحراك الثوري نفس ترتيب الأوراق، وفرز اصطفافات الخصوم، والتعامل مع شباك وشراك الأخطبوط الذي نجم عن عقود من البناء التسلطي وأدواته الانتهازية.

من لا يدرك بعمق غول الاستبداد، وجبروت أدواته في البقاء، وقوة أنصاره لا يتردد أن يكيل المثالب لتعثر بعض القوى الثورية هنا وهناك، ولن يجد في قاموسه أي عذر تقدمه القوى الثورية لبعض إخفاقاتها، كما لن يتردد في تسويق آية التسلط وطلاسمها في تشويه العقل العربي، وقصوره في إمكانية التمتع بأيا من مزايا الديمقراطية ومؤسسية أدواتها، والوقوف عند حدود ما أريكم إلا ما أرى، وصوابية القوي المتسلط، الذي لا يجيد سوى فن القتل والذبح للشعب وإرادته.

هي رغبات الطغاة في حمل الناس على اليأس من كل ما هو دون نهم التسلط وعجرفته، تلك الرغبة التي تزرعها بالحديد والنار، بالمال والإعلام، بالدمار والخراب، بالقتل ومصادرة الحرية دون أن تجد من يقف لينصف الشعوب، سوى من بعض رواد الحرية الذين ليس بوسعهم مواجهة أنصار الاستبداد في معركة غير متكافئة بين من يبارك إرادة الشعوب، ومن يجتهد في سلبها ومصادرتها بوسائل غير أخلاقية.

سيكسب التسلط فقط عندما تنهزم الشعوب في معركة الوعي، وتفقد آمال النصر في جهود معركة الخلاص من داء الاستبداد وأدواته الضاربة، وسموم آلة الكذب والدجل التي تفت في نسيج الوعي العربي، وتحاول صرفه إلى مسار الانصياع لإرادة الكابوس الرجعي كخيار أمثل لا مناص للشعوب من عبادته والصبر على طيش تصرفاته، رغم إدراك تلك القوى المضللة بوعورة الطريق وأخطارها ومآسيها في حال عاد الثوار إلى مزرعة المتسلط، مستسلمين لإرادة أطماعه، وعنفوان شهواته الفاسدة التي تدفع الشعوب ثمنها فقرا وتخلفا وعبودية.

بذور اليأس والاستسلام الفوري خصبة في الذاكرة الجمعية للمواطن العربي، وتتفاعل مع أي طروحات ملوثة ومضللة، وينجرف إلى ساحتها المشئومة للأسف الكثير من دوائر النفوذ التي تستهوي التسلط والاستبداد، وتتظاهر فقط برغبتها في الإصلاحات الآنية من قبيل كسب رهانات سياسية، أو تصفية خصومات وثارات سابقة مع التسلط الذي حرمها بعض شهواتها غير المشروعة.

لا يجب أن ينزلق التفكير العربي خلف تشاؤمات غير منطقية ودقيقة بعدمية الثورات والإصلاحات التي تنادي بها، إذ هي الأداة الأكثر خطرا وفتكا بحاضر ومستقبل "المستقبل العربي" المثخن هذه الأيام بجراحاته، ومطويا بآلامه في معركة اجترحها بنفسه لاسترداد كرامته، وصنع مستقبل يغادر معه مربع التابع الفاسد. ولا يستبشر الطواغيت بجدوى الطعنات شبه القاتلة للحلم العربي الوليد الذي تسري نسماته ومعاناته على طول البلاد العربية، فسرعان ما تنقلب الكرة للشعوب وتثأر ممن يسرق حلمها، ويعبث بمشروع ثورتها الإصلاحي.

تتغذى الطفيليات المتسلطة في المنطقة بقاءها من عفن دماء الشعوب التي امتصتها، كما يتغذى بعض الكتاب والمحللين على المصائب التي يضرم نارها بقايا الفلول وأنصارهم لوأد المشروع الثوري في بعض دول المنطقة لتسويق الافتراءات، وترقيع الأكاذيب حول فشل وإفلاس القوى الثورية في قيادة عملية التنمية، والوفاء بوعود الثورة رغم إدراكهم بحجم الجهود المهولة والمستميتة لإسقاط قوى الثورة، أو كبح تقدمها في إطار سيناريو ليس الاستبداد سوى "أداته القبيحة"، و"خزينته المسروقة" التي تتقاسم مع المضايق الخارجي الغربي والشرقي على السواء سر خلود الاستبداد لتعظيم مكاسبها، كما تتقاسم مخاوف المشروع الثوري المؤسسي على فسادها وهيمنتها في منطقة المصالح الحيوية لتلك القوى.

يتقاطر "المرجفون" و"المثبطون" للنيل من واقع الإفراز الثوري غير المرغوبة، وكيل الاتهامات لتلك القوى، ووصمها بالفاشلة دون أن تكلف نفسها عناء البحث العلمي الموضوعي والمنصف لأبعاد الكوابح الثورية داخلية وخارجية، ويمنعها الحياء فقط أن تتغزل بالغول العربي الذي ينهش عيش وكرامة وحرية المواطن العربي، ولا يحسن تدبير تنمية أيا من قطاعاته العديدة.

من عاش كذبة الإصلاحات الغربية وتفاصيلها الدقيقة في المنطقة العربية يدرك كم هي مغبونة ساحة الحرية العربية، وكم هي مضللة ومخدوعة بآلة الإعلام وخطاباته السياسية، وتنظيرات مصانع التفكير وروادها، فالإغراء الفلسفي الأخلاقي متنوع الآراء والاتجاهات حول مكاسب وخسائر الديمقراطية في المنطقة العربية عند مجرد التفكير في دعمها لم تكن سوى ساحة لتشويه العقل التحليلي العربي، وصرفه عن النوايا التي تترجمها دوائر السياسات الواقعية، التي تضع أسسها وتنفذها دوائر الاستخبارات الغربية الأمريكية والأوروبية المشدودة بقوة لإغراءات المصالح الطاغية على التفكير المادي في الثقافة الغربية.

لم تعد بهلوانية الهامش الخياراتي في دعم الديمقراطية من عدمها في المنطقة محل التسلط مقبولة، وربما أصبحت مستهجنة حتى في الاستماع إليها من رعاة التسلط وليس الحرية الغربيين، مقولات "الديمقراطيات تتعايش ولا تتحارب"، "ثمار الديمقراطية طويلة الأمد"، "مصائب الإرهاب وفاتورتها المدفوعة غربيا" بفعل المتسلط المرغوب والحليف، أضحت ضربا من الهراء المستهلك في خانة النضج العربي. فند تلك الطروحات وتنوعات الاتجاهات والآراء الخادعة الربيع الثوري الذي هز عرش الطغاة من تونس الخضراء ليستيقظ أصحاب المخدرات الإصلاحية الغربيين على وابل هروب الطغاة المباركين غربيا.

لم ولن يسكت أنصار التسلط في المنطقة، ولن يهدأ لهم قرار في سياسة المصالح لإنزال هزيمة مدوية بالقوى الثورية، هزيمة لا تقتصر على إجراءات يتصدر لها قيادات الجيوش، الذين يتلقوا أوامرهم من دوائر صناعة المخابرات، بل وهو الأهم هزيمة العقل العربي الذي ما أن تعافى إبان الثورات، وعاد بصيص أمله حتى يتلقى ضربات إعلامية ليعود في حالة تنويم مغناطيسي، جرعاته سموم آلة الكذب الإعلامية المكلفة بمحسنات مبالغة لوجوه الاستبداد، والطاعنة بشماتة في حق القوى الثورية.

لم يكن أحدا يتصور مهما امتلك من حدس استحالة تضليل العقل العربي بمنتج الاستبداد بعد الثورة النوعية التي هزت أركان الاستبداد في المنطقة، أو أن يقع لقمة صائغة لأعداء الحرية وخصومها التقليديين، والمشاركة غير المدروسة في الانقلاب على مكسب الديمقراطية مهما كان له من ملاحظات على واقع السلوك الذي نتج من قوى أفرزتها ثمار الثورة، وأيا يكن الغبن الذي لحق بالقوى الوطنية من قبل القوى الإسلامية، فذلك لا يبرر أن تسقط في براثن التسلط وأدواته من جديد، لما لذلك من ثمن باهظ سوف تدفع تبعاته هذه القوى الطموحة قبل جموع الجماهير البسيطة.

صرف وإلهاء الوعي العربي عن العوامل الحقيقة الكابحة لقوى التغيير في المنطقة العربية هي مهمة الإعلام الذي يستهدف القوى الثورية، التي جاءت على أنقاض منظومة الفساد التي تهاوى نجمها بالنور الذي سطعت به شمس الحرية في المنطقة، سوى أن آلة التضليل تحاول إخفاء ضوء الحرية، الذي بزغ بسحب سوداء اجتهدت في بعثها وتكوينها كل القوى التي لا تريد للقوى الجديدة التقدم خطوة إلى الأمام بكل أدواتها التي التحمت في معركة الخلاص من القوى الثورية، التي تهدد قوى داخلية تقليدية، وأطراف خارجية تتوجس خطر استفادة المنطقة من مزايا الإصلاحات السياسية التي سوف تحقق للأمة استقلالية قرارها الداخل والخارجي.

*كاتب يمني

الجنون الأكثر تفلتا وغباء لا يعرف مكانا مثل السبعين، ولا يعرف بشر أكثر من مغفلين مثل قوم صالح. يصر صالح في كل مناسبة على ممارسة طيشه السياسي، بمضاربة جلب أكثر عددا من حملت فيروس المرض المناطقي إلى ساحة كان لها مدلول عميق في الذاكرة الثورية، ليحولها »

هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟

الإسم:

البريد الإلكتروني :

العنوان :

نص التعليق :
*

مساحة إعلانية

فيس بوك

تويتر

إختيارات القراء

إختيارات القراء

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات

لا توجد مشاهدة

لا توجد تعليقات